دراما رمضان السعودية- بين التكرار والإبداع المفقود؟

المؤلف: عبده خال10.06.2025
دراما رمضان السعودية- بين التكرار والإبداع المفقود؟

رمضان كريم ومبارك على الأمة الإسلامية جمعاء، نسأل الله أن يجعله شهراً حافلاً بالرحمة والمغفرة، وشهر عتق ورقاب من نار جهنم.

ومع حلول هذا الشهر الفضيل، تستقبلنا الفضائيات بكمٍّ هائل من المسلسلات التي أُعدت خصيصاً لهذا الموسم، والتي باتت تُعرف بالمسلسلات الرمضانية.

ولكن، وكما جرت العادة في كل عام، تطل علينا هذه المسلسلات بمستواها المتفاوت، حيث يغلب عليها الرداءة والسطحية، ولا ينجو من ذلك إلا قلة نادرة.

وإذا كان الحديث منصباً على المسلسلات السعودية، فإنني آمل من كل قلبي أن يخرج المنتجون هذا العام عن النمطية السنوية التي اعتدنا عليها، وألا يعيدوا تكرار نفس المشاكل الاجتماعية في قوالب درامية جاهزة، بحيث تتحول المسلسلات إلى مجرد استنساخ للتحقيقات الصحفية السطحية التي تتناول قضايا آنية.

كما أخشى أن نشاهد مجدداً تلك الإسكتشات الهزلية الركيكة التي تُعرض على أنها دراما سعودية أصيلة، وإذا حدث ذلك، فإننا نكرس بذلك قاعدة "مكانك سر"، ونؤكد مرة أخرى عجز المنتجين عن استثمار الإبداعات الأدبية والفكرية الغزيرة التي تزخر بها بلادنا، وتحويلها إلى أعمال درامية مرئية متميزة.

فالمنتجون يتهاونون بشكل كبير في فهم الدور الحقيقي للفن، والذي يكمن في تقديم صورة حقيقية للحياة، يستطيع المشاهد أن يجد فيها نفسه ويعيش تفاصيلها، أما إذا اقتصرت الدراما المحلية على عرض المشاكل الاجتماعية السطحية أو استعراض النواقص الخدمية، فإن هذه الطريقة قد تكون مقبولة في الماضي، ولكن الفن يجب أن يكون أداة لخلق الدهشة والإثارة، وتجسيد إنسانيتنا وقضايا مجتمعنا بشكل أعمق وأكثر تأثيراً، من خلال تحليل السلوكيات البشرية المختلفة وتأثيرها على حياتنا.

إن هذا التساهل من قبل المنتجين أدى إلى ظهور المسلسلات السعودية بصورة باهتة وشاحبة، حتى أن عنصر الفكاهة الراقية القائمة على الموقف انحسر بشكل ملحوظ، وذلك لأننا اعتدنا على نفس الحركات والانفعالات التي يستخدمها الممثلون لإضفاء جو من المرح والكوميديا، مما أفقد هذه المسلسلات بريقها وجاذبيتها.

كما خسرت هذه المسلسلات الكثير من قيمتها الفنية عندما عمدت إلى إعادة تدوير المشاكل الاجتماعية التي سبق طرحها ومناقشتها، بالرغم من محاولات كتاب السيناريو لإضافة بعض المفارقات الكوميدية، إلا أن الجمهور قد استهلك هذه المشاكل وأشبعها نقداً وتعليقاً، ولم يترك للممثلين مجالاً للإبداع والابتكار.

وفي ظل هذا التردي في مستوى السيناريوهات، نعاني أيضاً من بعض الممثلين الذين يفتقرون إلى الموهبة الحقيقية، والذين تحولوا إلى مجرد دمى متحركة، مما يثير الاستياء والتساؤل عن الجهة التي أجازت عرض هذه المسلسلات، وهل فعلاً دفعت القنوات الفضائية مبالغ طائلة مقابل هذا العبث؟ وهذا يقودنا إلى مساءلة المسؤولين عن تقييم الأعمال الدرامية، وعلى أي أساس فني تم إجازة عرض هذه المسلسلات؟

وإنني على يقين بأن من يجيز عرض مسلسلات تافهة وسخيفة، فهو لا يقل تفاهة عنها، وسوف ينكشف تدنيه الفني من خلال سماحه بعرض مثل هذه الأعمال.

وهذا يثير تساؤلاً مهماً عن طبيعة عمل لجان التقييم في القنوات الفضائية، وهل تضم فنانين حقيقيين أم مجرد موظفين؟

فالموظف يهمه فقط أن يتقاضى راتبه في نهاية الشهر، ولا يهتم بمستوى وجودة الأعمال التي يجيز عرضها، لذلك أعتقد أنه من الضروري أن تضم لجان التقييم فنانين حقيقيين يمتلكون الخبرة والحس الفني لتقييم الأعمال المقدمة، وأن يكونوا قادرين على رفض الأعمال الرديئة بحجج فنية مقنعة، بحيث تكون عملية الإجازة إضافة إبداعية للعمل الدرامي.

وها نحن في اليوم الثاني من شهر رمضان المبارك، وغداً سوف تنهال علينا المسلسلات الرمضانية بمستوياتها المتفاوتة، وكلنا أمل في أن يكون هذا المقال غير صائب، وأن نشاهد هذا العام أعمالاً درامية ترتقي بالذوق العام وتثري المشهد الفني.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة